[center][img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][size=16][color=dimgray][color=red]" سينكِ مع أول سين بالسبيل
و سيناكما لبعضهما، أبدا، بديل "[/color][/color][/size][/center]
[size=16][color=silver]بسم الله الرحمن الرحيم[/color][/size]
ثلاث ساعات مرّت و سمير يقود سيارته (الميرسيديس) الجديدة بسرعة فائقة.. لابد أنه قطع ثلثي الطريق الذي يقتاده إلى أمه المحتضرة.
الظلام حلّ منذ ساعة مُلقيا وشاحه الأسود على اللّوحة الريفية الجميلة بمدخل الرباط العاصمة، فظلّت أضواء السيارة القوية تكشف جذوعا سميكة لغابة يلفّها برد الشتاء.
بعد أن استمع في بداية رحلته إلى برامج منوعة من إذاعة الرباط المحلية أسكت الجهاز ليحل صمت قاطع إلا من صوت المحرك الرتيب..
أخذت الخواطر المبهمة تتقافز أمامه في الطريق و طفق يمضي إليها و كأنما ليدوسها بالعجلات !..
مشاهد كثيرة هي، عن حياته البائسة كما يعتبرها.. صدمات و خيبات أمل مُرّة و غدر من أناس قريبون أكثر ما يكون إلى قلبه.
تتردد الصور و الأصوات بذهنه و يتقلص وجهه في كآبة أو غضب من حين لآخر، و بدا كأنه لا ينتبه للطريق أمامه.. الطريق السيار، الأنيق الذي يقوده بسرعة إلى نهاية حياته العادية، دون أن يخطر ذلك على باله !..
[center]* * * [/center]
انقضت أعوام طوال على آخر زيارة له للرباط.. ظروف العمل طوّحت به إلى الصحراء بالجنوب و كم مقت تلك المنطقة الحارة المملة. و هاهي الظروف تعود به أخيرا إلى مدينته الأم، إلى بيت والدته الحنون.. و يا لها من ظروف !..
انحدرت دمعة دافئة على خده و عيناه الواسعتان تنظران إلى الطريق بثبات..
و في غفلته التامة استيقظ عقله الواعي بعنف على شيء رآه أمامه فأمسكت يده المتجمدة مقبض السرعات و قام بحركات مذعورة قبل أن يضغط الكابح ضغطة واحدة.
دوّى صرير حاد بالمكان الخالي فتلاه صمت أكثر عمقا من سابقه !..
ملأت مسامعه نبضات قلبه المجنونة و التي لا تبدو مستعدة للتعقّل !..
قد سكنت مقدمة سيارته المغشية بالأضواء على بعد سنتمترات من ساقان نحيفان ملطخان بالدم !.. اكتشف أنهما لفتاة شابة.. نصف عارية !
لم يتبين ملامحها جيدا.. فرك عينيه بعصبية ثم أزال حزام الأمان جانبا و فتح الباب..
لاحظ دخانا كثيفا، بفعل الاحتكاك، يسبح في الجزء المضاء أمام السيارة.. ما ساهم في حجب ملامح الفتاة (العارية) عن الرؤية.
تقدّم قليلا ناحيتها فلفتَ انتباهه الساقان الداميان و هما يرتعشان، ثم رفع رأسه ليرى وجها.. جميلا، شاحبا عليه كدمات.. شعر أشهب طويل مبلل، التصق معظمه بصدغيها..
قال بارتباك و هو يتأمل وجهها المذعور:
- هل.. هل أنتِ.. بخير ؟...
ثم عاد يقول بعد أن بلع ريقه:
- من أنتِ ؟..
- ...
- أنا.. أنا اسمي سمير و أنتِ ؟..
لم تجب على أي سؤال من هذه الأسئلة.. و بقي رأسها مطأطئا لبرهة ثم رفعته بسرعة و فتحت شفتيها على أسنان سوداء !..
ارتعش سمير مكانه و تحول عموده الفقري إلى قضيب من جليد..
و في اللحظة التالية قفزت نحوه صارخة !..
[center]* * *
اللقاء الأبدي !..
* * * [/center]
صُعق سمير و لم يقم بأي حركة لما انقضّت الفتاة الشهباء ممسكة به ثم...
عانقته و أجهشت بالبكاء !..
مسحت برأسها في حضنه و بكت بصوت عالي و هي تدمدم بشيء ما..
ارتخت عضلات سمير شيئا فشيئا و لم يزل وقع الصدمة عليه بليغا..
أرغم يده على التحرك ليربت على كتف الفتاة الغريبة بحنان.. ثم أبعدها برفق و هو يقول:
- لا بأس يا آنسة.. الحمد لله، الحمد لله.. أنتِ بخير... لكن... ماذا تفعلين هنا ؟.. و ماذا وقع ؟..
فتحت فمها من جديد على أسنان ملطخة بشيء أسود و قالت وسط النحيب:
- لقد نجوتُ من حادث مريع...
و استسلمتْ للبكاء من جديد..
مدّ يده ليضمها لكنه أعدل عن ذلك و قال بأدب مشيرا إلى السيارة:
- لا بأس عليكِ، الحمد لله على السلامة.. تفضّلي معي..
و لم يبد عليها أدنى تردد.. مسحت دموعها بعجلة و هرولت نحو الباب الأمامي !..
[center]* * * [/center]
جلس بمقعده و رأى الفتاة تسند رأسها على الكرسي و تغمض عينيها..
حدّق بها للحظات، و شعر بالفتنة تُلهبه.. لكنه تراجع عن أفكاره و أشاح بوجهه.. ثم عاد ينظر ناحيتها، نظرة خاطفة.. فوجدها قد غطّت في النوم !..
" لابد أنها مرهقة جدا "
خرج من مكانه و فتح الباب الخلفي.. حمل غطاءا و عاد إلى المقدمة.. مدّ يده بالغطاء و تردد قليلا قبل أن يضعه، بحذر، فوق جسدها (المتبرج) !..
عمد أن يشغل المحرك لكن شيء ما شوّش ذهنه و جعله يرفع يده عن المفاتيح و ينحني ليحمل مصباحا يدويا ثم يغادر السيارة !..
" تقول أنها نجت من حادث سير !.. أين ؟.. ثم إني لا أرى سيارة هنا ؟.. "
فكر بهذا و هو يسلط ضوء المصباح على جوانب الطريق و بين الأشجار.. ثم توغل قليلا وسط الغابة لعله يجد سيارة مقلوبة..
لكن لا وجود لأي علامات حادث !..
شعر بالقلق و التوتر لظلمة المكان و وحشته فدار على نفسه عائدا و.. صرخ رغما عنه !..
لقد كانت خلفه مباشرة تحدق فيه بذعر !..
[center]* * *
اللقاء الأبدي !..
* * *[/center]
تصلّبت عيناه و تدلّى فكه من وقع الصدمة !..
قالت و ملامحها ترتعش إيذانا بالبكاء:
- لماذا تركتني وحدي ؟.. أنا خائفة..
و انخرطت في بكاء حاد...
لم يحرك سمير ساكنا و ظل يرمقها بذهول و شك، ثم نفض رأسه و قال
بصوت مبحوح:
- ألم تكوني نائمة ؟... حسن، لا بأس.. دعنا نعود إلى السيارة..
[center]* * *[/center]
قد نامت من جديد..
حاول ضبط جهاز الراديو على كل الإذاعات و هو يقود و يرفع رأسه من حين لآخر ليرى الطريق، لكن الشوشرة غطت كل شيء !...
" غريب !.. "
حانت منه التفاتة نحوها، فوجد الغطاء قد سقط عنها و ظهرت من جديد (عوراتها)..
جمدت عيناه للحظة قبل أن يمد يدا تدثرها بالغطاء و هو يتمتم بشيء ما..
لم يعرف الدافع الذي دفعه إلى إخراج الهاتف من جيبه ليجد شبكة الاتصال منعدمة !..
" لقد كان في أوجه قبل قليل.. ماذا دهاه ؟ "
هنا سمع غمغمة بجانبه فالتفت بسرعة نحو النائمة ليجدها تتململ مكانها ففهم أنها تهذي في الحلم..
لكن تعبيرات وجهها تغيرت فجأة و تقلّصت ملامحها ثم فتحت عينيها بغتة و قالت بصوت متحشرج:
- أسرع يا سمير.. قد اشتد المرض على أمك..
[center]* * *
اللقاء الأبدي !..
* * *[/center]
انحرفت السيارة بعنف و سُمع صوت الاحتكاك القوي !..
أدار سمير المقود بحركات عصبية و الهلع بادٍ على وجهه.. و خرجت العربة من الطريق لتنحدر بخطورة في مسار حجري وسط أشجار مظلمة ثم تتوقف أخيرا على مسافة صغيرة من جذع سميك !..
سكت المحرك فساد صمت رهيب قبل أن تشهق الفتاة !..
نظر سمير نظرة صارخة إلى وجهها الذي يبدو بريئا جدا.. نظرة تحمل كل معالم الرعب و الصدمة النفسية العنيفة..
قال بصعوبة منهيا ذلك الصمت القاتل و مادا يدا نحو الباب تأهبا للفرار:
- كيف.. كيف عرفت.. (وبلع ريقه).. مرض أمي ؟..
حدّقت به لبرهة ثم قالت بصوت عالي، عصبي:
- لا أدري، لا أدري... أحسست بذلك، شعرت به.. أحدهم أخبرني.. لا أدري... أشعر أنني عشت هذه اللحظة أو سأعيشها مستقبلا.. لا أعلم ما حدث لي بالضبط بعد الحادث و بعد تلك.. الواقعة المخيفة !؟..
لم يظهر على سمير أنه فهم حرفا واحدا.. و تنهد عميقا و هو يعبث بشعره بعصبية ثم خرج من السيارة.. وضع كفيه على سطحها و شرد بعيدا !..
[center]* * *[/center]
- ماذا حدث بالضبط ؟.. و ماذا قصدتِ بالواقعة المخيفة ؟..
قالها سمير بعد ربع ساعة من القيادة و من الصمت المطبق..
التفتت إليه ببطء و عيناها تحملان إعياءً شديدا، ثم قالت ضاغطة على كلامها:
- لست متأكدة من شيء، و عقلي مشتّت كليا.. كل ما أجده منطقيا في ما حدث معي هذه الليلة هو حادث الجسر..
و صمتت لهنيهة و هي تفرك يديها بتوتر و تنظر إلى أسفل..
ثم واصلت الكلام فجأة :
- كنت أقود سيارتي (البورش) قادمة من الرباط، على عجلة من أمري.. و وصلتُ إلى الجسر الذي تجاوزناه قبل قليل (و أشارت إلى الخلف).. ربما كانت، وقتها، الثامنة مساءا لمـّا...
و بترت حديثها و قد لاح عليها التوتر و الفزع !..
- لمـّا ماذا ؟..
- لما ظهر أمامي رجل ضخم فجأة.. كانت ملابسه مهترئة و أطرافه مرتخية..
لم يكن في الطريق من قبل.. لكنه.. لكنه ظهر وسطها بغتة.. أقسم على ذلك !..
لم أعرف كيف أتصرف و كل ما قمت به هو أن انحرفت بحدة متجاوزة الاصطدام به.. لأجد نفسي أسبح بسيارتي في الهواء.. ثم أغوص بها في الوادي المظلم !..
خالط صوتها بكاء خفيض، حاولت تجاوزه بشهقات عميقة قبل أن تواصل و هي تزيح خصلات شعرها المبلل جانبا..
- صرختُ حتى انقطع صوتي، بكيت حتى جفت عيناي، ارتعشت حتى شل جسدي.. و كان الماء الأسود، البارد يملأ السيارة رويدا رويدا حتى غرقتُ كليا.. قاومتُ بما تبقى لي من طاقة لكني استسلمتُ أخيرا و بدأت أشعر بدوار شديد و خدر في رأسي و ثقل في جسدي و كانت آخر صورة علقت بذهني.. لا زلت أذكرها جيدا.. كانت يدا ضخمة تفتح باب السيارة !..
نظرتْ إلى سمير و كأنها تنتظر منه ردة فعل، لكنه لم يتكلم مطلقا و كان ينظر لها في دهشة ثم يعود لينظر إلى الطريق بنفس الدهشة على وجهه..
- قلت لك أن بعض ما حدث كان غير منطقي و لست متأكدة منه.. لكن هناك آثار مادية على الأقل !..
- واصلي.. واصلي.. ماذا حدث بعدها ؟.. و كيف نجوتِ ؟..
انتزعت بصرها منه و غمغمت:
- فقدتُ الوعي بعد ذلك و كنت أظنها النهاية.. بل كل ذرات جسمي ارتخت و أذعنت و أيقنت أنها لحظة النهاية !.. لكن الفاجعة كانت لما عاد إليّ وعيي..
سكتتْ من جديد و تبدّلت ملامح وجهها لترسم الخطورة و هي تقول:
- عدتُ إلى الوعي ببطء شديد و مضى وقت لا أعلم مقداره و أنا لا أفهم شيئا..
كنت أسمع أصوات احتكاك و صوت شخص يدمدم و لم أكن أشعر بجسدي جيدا...
لكن، شيئا فشيئا اتضحت لي الصورة.. سعلت بحدة و تقيّأت الماء بكميات أرعبتني.. و شعرت بألم حاد بساقيّ..
كان شخص ما يجرني من شعري على الأرض !..
[center]* * *
اللقاء الأبدي !..
* * *[/center]