[center][size=29][b]آخر الخارجين من النار [/b][/size][/center]
[size=21][b]خرج من السينما بوسط البلد , عند منتصف الليل . يلعن بتعبيرات وجهه أحداث الفيلم الممل البائس . نظر إلى ساعته , واتجه ناحية موقف عبد المنعم رياض .
تردد في فكره حول العربة التي ستقله . هو يسكن في شارع فيصل . أخذ يحسب أفضل الاحتمالات , ولكن قاطع حسابه عدم وجود عربات ذاهبة ناحية فيصل . فجلس على مقعد من مقاعد انتظار الحافلات . وانتظر .
الوقت يمر , ولم يأت بعد ما يتجه ناحية فيصل . أخرج سيجارة من جيب قميصه . أشعلها . وانتظر .
ظل يدخن حتى انتهت السيجارة , فتساءل في نفسه : " ماذا ؟ هل سيتم الرحيل مشياً على الأقدام أم ماذا ؟! " ثم نظر خلفه حيث موقف الميكروباصات , ثم نظر أمامه حيث موقف الحافلات . وانتظر .
حانت منه التفاتة إلى الوراء فجأة , ورمق ميكروباص يصدر منه صوت : " هرم .. هرم " . قام . اتجه ناحيته . كاد أن يركب .. لكنه تراجع وظل يردد في نفسه : " مادام جاء من يذهب إلى الهرم فسيأتي من يذهب إلى فيصل " . وانتظر .
شارع الهرم يوازي شارع فيصل , ولكن يبتعد عنه بمسافة ثقيلة على الكسول .
ظل واقفاً . أبرز سيجارة أخرى . أشعلها .ثم جاء في سرعة ميكروباص يعلن بصوت : " فيصل .. فيصل " . همَّ إليه .ركب وهو يدخن . سأل السائق : " كم الأجرة ؟ " قال السائق " جنيه وربع " رد بعنف : " ألم تكن جنيه واحد منذ أمس ؟! " رد السائق : " يمكنك أن تبحث عن ميكروباصات أمس إذا شئت . ومن فضلك اطفئ السيجارة ! "
نزل دون أن يتكلم وهو يلعن السائق في نفسه , وما زالت سيجارته يدخنها بشدة . تطلع إلى موقف الحافلات . وانتظر .
وصل أوتوبيس من بعيد . قام يرمقه . لم يكن فيصل أو هرم . لكنه يسلك الطريق عبر الجيزة . تردد في ركوبه , وقال في نفسه : " لقد تطلعت إلى الحافلات لأنها أرخص , ورفضت الميكروباصات لأنها أغلى , فهل أزيد من حماقتي وأهبط عند الجيزة , فأركب مرة أخرى ؟! فماذا جنيت إذن ؟! " . فتركه يمر . وانتظر .
أخرج سيجارة أخرى . أشعلها . نظر إلى ساعته وردد في نفسه : " الوقت يتأخر , أتمنى أن .. " وما كاد ينهي جملته حتى جاء أوتوبيس أخضر اللون , ذو خدمة مميزة , يصل إلى الهرم , يتصاعد إليه الناس في غزارة نسبية . فردد في نفسه : " ليس لدي خيار آخر , فهذا أفضل خيار , سأمشي مسافة بسيطة في النهاية , وأعتقد أن نصف جنيه أفضل من جنيه وربع ! " . صعد مع الصاعدين . جلس في هدوء , وكاد يسترخي , إلا أنه نظر خلفه في فضول لمعرفة ما هو الأوتوبيس القادم . إنه أوتوبيس أخضر اللون أيضاً , ذو خدمة مميزة , وبنصف جنيه , ولكنه يذهب إلى فيصل . فنزل على الفور من مكانه , وما أن نزل حتى انطلق أوتوبيس الهرم .
ركب أوتوبيس فيصل . ظل الأوتوبيس راكداً قليلاً , وهو مسترخى في انسجام , ويشعر كأنه ركب الجنة الآن . و وسط الهدوء , تشققت في الأجواء ضوضاء لحافلة أخرى . فأفاق من استرخائه , ونظر خلفه في فضول , ولكنه تساءل في نفسه : " لماذا أنظر ؟ ألم أنل مبتغاي ؟! "ولكنه دقق النظر , فكان الأوتوبيس القادم يذهب إلى فيصل أيضاً , ولكن
هناك فرق . ذلك الأوتوبيس ثمنه ربع جنيه فقط . إنه أحمر اللون , ليس تابعاً للخدمة المميزة . وقبل أن تنطلق الحافلة التي هو فيها بلحظة , قفز منها وهو يردد في نفسه : " سحقاً للخدمة المميزة , وأهلاً بالربع جنيه .. هكذا أفضل , هكذا افضل " . صعد الحافلة . جلس فيها مسترخياً , واستعد للنوم .
بعد قليل من ركود الحافلة الأخيرة , اتجه إليه رئيس المحطة , وقال بصوت أفاقه : " يا أستاذ ! " نظر له بلا تعبير وجهي , فأتبع الرئيس : " نأسف لعدم الانطلاق , فقد إنتهى وقت عمل الأوتوبيسات " . ظل اللا تعبير على وجهه , ولكن بداخله انقلبت كل تعابيره عليه .
نزل من الأوتوبيس . أدخل يده في جيب قميصه ليخرج سيجارة . لاحظ أن علبة السجائر لا تحيط بها نقود . بحث في أجياب بنطاله , فلم يجد شيئاً . أشعل سيجارة وظل يمشي وهو يردد : " كيف أنسى أن آخذ مرتبي اليوم من مدير السينما ؟! .. اللعنة ! لقد صرفت كل البقشيش على السجائر ! " . ظل يمشي كثيراً , حتى أيقن أنه يرحل إلى فيصل مشياً . لم تعجبه الفكرة إطلاقاً , فعمله في السينما طوال اليوم يجعل أرجله لا تكاد تحمله . فأخرج سيجارة أخرى من العلبة , وظل يبحث عن من يشتري منه باقي العلبة . أشعل السيجارة التي أخرجها . ظل يسأل أي أحد لشراء باقى العلبة . حتى حصل على رجل , اشتراها منه بجنيه وربع . فأخذ المبلغ راضياً .
نظر أمامه إلى الشارع الواسع . وجد عربات كثيرة , فتردد في فكره أيها يختار . ثم راح يحسب أفضل الإحتمالات .. وانتظر[/b] .[/size]
[size=21]______________[/size]